فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلََكَ بِالصَّلاَةِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد أهله المناسبين له.
والثاني: أنه أراد جميع من اتبعه وآمن به، لأنهم يحلون بالطاعة له محل أهله.
{وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا} أي اصبر على فعلها وعلى أمرهم بها.
{وَلاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} هذا وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به جميع الخلق أنه تعالى يرزقهم ولا يسترزقهم، وينفعهم ولا ينتفع بهم، فكان ذلك أبلغ في الامتنان عليهم.
{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} أي وحسن العاقبة لأهل التقوى.
{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} أي منتظر، ويحتمل وجهين:
أحدهما: منتظر النصر على صاحبه.
الثاني: ظهور الحق في عمله.
{فَتَرَبَّصُواْ} وهذا تهديد.
{فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: فستعلمون بالنصر من أهدى إلى دين الحق.
الثاني: فستعلمون يوم القيامة من أهدى إلى طريق الجنة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة وتمثيلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها ويتكفل هو برزقه لا إله إلاَّ هو، وأخبره أن العاقبة الأولى التقوى وفي حيزها فثم نصر الله في الدنيا ورحمته في الآخرة، وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل في عمومه جمع أُمته. وروي أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئًا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا} الآية إلى قوله: {وأبقى}، ثم ينادي بالصلاة الصلاة يرحكم الله، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي هو ويتمثل بهذه الآية، وقرأ الجمهور: {نحن نرزقُك} بضم القاف، وقرأت فرقة {نزرقْك} بسكونها، ثم أخبر تعالى عن طوائف من الكفار قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم، {لولا يأتينا بآية من ربه} أي بعلامة مما اقترحناها عليه وبما يبهر ويضطر.
قال القاضي أبو محمد: ورسل الله إنما اقترنت معهم آيات معرضة للنظر محفوفة بالبراهين العقلية ليضل من سبق في علم الله تعالى ضلاله ويهتدي من في علم الله تعالى هداه، فيوبخهم الله تعالى بقوله: {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} يعني التوراة أعظم شاهد وأكبر آية له. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم {تأتهم} على لفظة {بينة} وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم {يأتهم} بالياء على المعنى، وقرأت فرقة {بينةُ ما} بالإضافة إلى {ما} وقرأت فرقة {بينةٌ} بالتنوين، و{ما} على هذه القراءة فاعلة ب {تأتي}، وقرأ الجمهور: {في الصحُف} بضم الحاء، وقرأت فرقة {في الصحْف} بسكونها.
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}.
أخبر الله تعالى نبيه عليه السلام أنه لو أهلك هذه الأُمة الكافرة قبل إرساله إليهم محمدًا لقامت لهم حجة {ربنا لولا أرسلت إلينا رسولًا} الآية. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال «يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة الهالك في الفترة والمغلوب على عقله والصبي الصغير فيقول المغلوب على عقله رب لم تجعل لي عقلًا ويقول الصبي نحوه ويقول الهالك في الفترة رب لم ترسل إليّ رسولًا ولو جاءني لكنت أطوع خلقك لك. قال: فترفع لهم نار ويقال لهم ردوها قال: فيردها من كان في علم الله تعالى أنه سعيد ويكع عنها الشقي فيقول الله تعالى إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم» أما الصبي والمغلوب على عقله فبين أمرهما وأما صاحب الفترة فليس ككافر قريش قبل النبي صلى الله عليه وسلم لأن كفار قريش وغيرهم ممن علم وسمع عن نبوة ورسالة في أقطار الأرض فليس بصاحب فترة والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال أبي وأبوك في النار ورأى عمرو بن لحي في النار إلى غير هذا مما يطول ذكره، وأما صاحب الفترة يفرض أنه آدمي لم يطرأ إليه أن الله تعالى بعث رسولًا ولا دعا إلى دين وهذا قليل الوجود اللهم إلا أن يشد في أطراف الأرض والمواضع المنقطعة عن العمران، والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يتوعدهم ويحملهم ونفسه على التربص وانتظار الفرج. والتربص التأني، و{الصراط} الطريق. وقرأت فرقة {السوي}، وقرأت فرفة {السوء} فكأن هذه القراءة قسمت الفريقين أي ستعلمون هذا من هذا وقرأت فرقة {السوَّي} بشد الواو وفتحها، وقرأت فرقة {السُّوؤى} بضم السين وهمزة على الواو على وزن فعلى، و{اهتدى} معناه رشد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأْمُرْ أهلكَ بالصلاة}.
قال المفسرون: المراد بأهله: قومه ومن كان على دينه: ويدخل في هذا أهل بيته.
قوله تعالى: {واصطبر عليها} أي: واصبر على الصلاة {لا نسألكَ رزقًا} أي: لا نكلِّفك رزقًا لنفسك ولا لِخَلقنا، إِنما نأمرك بالعبادة ورزقُكَ علينا، {والعاقبةُ للتقوى} أي: وحُسن العاقبة لأهل التقوى.
وكان بكر بن عبد الله المزني إِذا أصاب أهلَه خصاصةٌ قال: قوموا فصلُّوا، ثم يقول: بهذا أمر الله تعالى ورسوله، ويتلو هذه الآية.
قوله تعالى: {وقالوا}.
يعني: المشركين {لولا} أي: هلاّ {يأتينا} محمد {بآية من ربِّه} أي: كآيات الأنبياء، نحو الناقة والعصا، {أوَلَم يأتهم} قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {تأتهم} بالتاء.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {يأتهم} بالياء.
قوله تعالى: {بيِّنة ما في الصحف الأولى} أي: أولم يأتهم في القرآن بيان ما في الكتب من أخبار الأمم التي أهلكناها لمَّا سألوا الآيات ثم كفروا بها، فما يؤمِّنهم أن تكون حالُهم في سؤال الآيات كحال أولئك؟! {ولو أنَّا أهلكناهم} يعني: مشركي مكة {بعذاب من قبله} في الهاء قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الكتاب، قاله مقاتل.
والثاني: إِلى الرسول، قاله الفراء.
قوله تعالى: {لقالوا} يوم القيامة {ربَّنا لولا} أي: هلاّ {أرسلتَ إِلينا رسولًا} يدعونا إِلى طاعتك {فنتَّبع آياتك} أي: نعمل بمقتضاها {من قبل أن نَذِلَّ} بالعذاب {ونَخْزَى} في جهنم.
وقرأ ابن عباس، وابن السميفع، وأبو حاتم عن يعقوب: {نُذَلَّ} {ونُخْزَى} برفع النون فيهما، وفتح الذال.
{قل} لهم يا محمد: {كُلٌّ} منا ومنكم {متربِّص} أي: نحن نتربَّص بكم العذاب في الدنيا، وأنتم تتربصون بنا الدوائر {فتربَّصوا} أي: فانتظروا {فستعلمون} إِذا جاء أمر الله {مَنْ أصحابُ الصِّراط السَّويِّ} أي: الدِّين المستقيم {ومَنِ اهتدى} من الضلالة، أنحن، أم أنتم؟ وقيل: هذه منسوخة بآية السيف، وليس بشيء. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلاَ تَمُدَّنَّ} أبلغ من لا تنظرنّ، لأن الذي يمدّ بصره، إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه.
مسألة:
قال بعض الناس: سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نزل ضيف برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلني عليه السلام إلى رجل من اليهود، وقال: قل له يقول لك محمد: نزل بنا ضيف ولم يُلْفَ عندنا بعضُ الذي يصلحه؛ فبعني كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفني إلى هلال رجب فقال: لا، إلا برهن قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه اذهب بدِرْعي إليه» ونزلت الآية تعزية له عن الدنيا.
قال ابن عطية: وهذا معترض أن يكون سببًا؛ لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مات ودِرعه مرهونة عند يهودي بهذه القصة التي ذكرت؛ وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا؛ إذ ذلك منصرم عنهم صائر إلى خِزي.
قلت: وكذلك ما روي عنه عليه السلام أنه مرّ بإبل بني المصطلق وقد عَبِست في أبوالها وأبعارها من السِّمن فتقنّع بثوبه ثم مضى؛ لقوله عز وجل: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} الآية.
ثم سَلاَّه فقال: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى؛ لأنه يبقى والدنيا تفنى.
وقيل: يعني بهذا الرزق ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم.
قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة} أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها.
وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عمومه جميع أمته، وأهل بيته على التخصيص.
وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعليّ رضوان الله عليهما فيقول: «الصلاة».
ويروى أن عُرْوة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئًا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله، وهو يقرأ {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية إلى قوله: {وأبقى} ثم ينادي بالصلاة: الصلاة يرحمكم الله؛ ويصلّي.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية.
قوله تعالى: {لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا} أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم؛ فكان عليه السلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة.
وقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ الله هُوَ الرزاق} [الذاريات: 56 58].
قوله تعالى: {والعاقبة للتقوى} أي الجنة لأهل التقوى؛ يعني العاقبة المحمودة.
وقد تكون لغير التقوى عاقبة ولكنها مذمومة فهي كالمعدومة.
قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ}.
يريد كفار مكة؛ أي لولا يأتينا محمد بآية توجب العلم الضروري.
أو بآية ظاهرة كالناقة والعصا.
أو هلا يأتينا بالآيات التي نقترحها نحن كما أتى الأنبياء من قبله.
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى} يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة، وذلك أعظم آية إذ أخبر بما فيها.
وقرئ {الصحف} بالتخفيف.
وقيل: أولم تأتهم الآية الدالة على نبوته بما وجدوه في الكتب المتقدمة من البشارة.
وقيل: أولم يأتهم إهلاكنا الأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات؛ فما يؤمِّنهم إن أتتهم الآيات أن يكون حالهم حال أولئك.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو ويعقوب وابن أبي إسحاق وحفص {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} بالتاء لتأنيث البينة.
الباقون بالياء لتقدم الفعل؛ ولأن البينة هي البيان والبرهان فردّوه إلى المعنى؛ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
وحكى الكسائي {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةٌ مَا فِي الصُّحُفِ الاُولى} قال: ويجوز على هذا {بَيِّنَةً مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى}.
قال النحاس: إذا نونت {بينة} ورفعت جعلت {ما} بدلًا منها، وإذا نصبتها فعلى الحال؛ والمعنى: أولم يأتهم ما في الصحف الأولى مبيَّنًا.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ} أي من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن {لَقَالُواْ} أي يوم القيامة {رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} أي هلاّ أرسلت إلينا رسولًا.
{فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى} وقرئ {نُذَلَّ وَنُخْزَى} على ما لم يسمّ فاعله.
وروى أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال: «يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ثم تلا {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} الآية ويقول المعتوه ربِّ لم تجعل لي عقلًا أعقل به خيرًا ولا شرًا ويقول المولود ربِّ لم أدرك العمل فتُرفَع لهم نار فيقول لهم رِدُوها وادخلوها قال فيَرِدُها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدًا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيًا لو أدرك العمل قال فيقول الله تبارك وتعالى إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم» ويروى موقوفًا عن أبي سعيد قوله؛ وفيه نظر؛ وقد بيناه في كتاب التذكرة وبه احتج من قال: إن الأطفال وغيرهم يمتحنون في الآخرة.
{فَنَتَّبِعَ} نصب بجواب التخصيص.
{آيَاتِكَ} يريد ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
{مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} أي في العذاب {ونخزى} في جهنم؛ قاله ابن عباس.
وقيل: {مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} في الدنيا بالعذاب {ونخزى} في الآخرة بعذابها.
{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ} أي قل لهم يا محمد كل متربص، أي كل المؤمنين والكافرين منتظر دوائر الزمان ولمن يكون النصر.
{فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصراط السوي وَمَنِ اهتدى} يريد الدين المستقيم والهدى؛ والمعنى: فستعلمون بالنصر من اهتدى إلى دين الحق.
وقيل: فستعلمون يوم القيامة من اهتدى إلى طريق الجنة.
وفي هذا ضرب من الوعيد والتخويف والتهديد ختم به السورة.
وقرئ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
قال أبو رافع: حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذكره الزمخشري.
و{من} في موضع رفع عند الزجاج.
وقال الفراء: يجوز أن يكون في موضع نصب مثل {والله يَعْلَمُ المفسد مِنَ المصلح} [البقرة: 220].
قال أبو إسحاق: هذا خطأ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، و{مَن} هاهنا استفهام في موضع رفع بالابتداء؛ والمعنى: فستعلمون أصحاب الصراط السويّ نحن أم أنتم؟.
قال النحاس: والفراء يذهب إلى أن معنى {مَنْ أَصْحَابُ الصراط السوي} من لم يضلّ، وإلى أن معنى {وَمَنِ اهتدى} من ضلّ ثم اهتدى.
وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري {فسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السُوَّا} بتشديد الواو بعدها ألف التأنيث على فُعْلَى بغير همزة؛ وتأنيث الصراط شاذ قليل، قال الله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] فجاء مذكرًا في هذا وفي غيره، وقد ردّ هذا أبو حاتم قال: إن كان من السّوء وجب أن يقال السُّوءَى وإن كان من السَّواء وجب أن يقال: السِّيَّا بكسر السين والأصل السِّوْيَا.
قال الزمخشري: وقرئ {السَّواءِ} بمعنى الوسط والعدل؛ أو المستوِي.
النحاس: وجواز قراءة يحيى بن يعمر والجحدري أن يكون الأصل {السُّوءَى} والساكن ليس بحاجز حصين، فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها واوًا كما يبدل منها ألف إذا انفتح ما قبلها.
تمت والحمد لله وحده. اهـ.